تقرير: فينيشا ريني في بيروت

اليوم الأول

هذه هي سارة.

سارة من مخيم عين الحلوة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يشتهر بأعمال العنف والفقر. تبلغ هذه الشابة من العمر 19 عاماً وتعيش مع والدتها وشقيقها الأكبر سناً. هرب شقيقها الأكبر إلى أوروبا في العام الماضي بحثاً عن حياة أفضل لنفسه. ويمكن وصف سارة بأنها شعلة نشاط: تحب اللون الوردي والرقص، على الرغم من أنها تقول نها لا تتاح لها الفرصة للقيام بذلك في كثير من الأحيان نظراً لعدم وجود مساحة كافية في المخيم. أحمد هو أحد أصدقائها المقربين، وأحد الجيران الذي غالباً ما يرافقها عندما تغادر مخيم عين الحلوة. يلتزم سكان المخيم بتقاليد اجتماعية محافظة للغاية، ولذلك لا يُسمح للفتيات حقاً بالسير بمفردهن. ورداً على سؤال حول المشاكل في المنطقة التي تعيش بها، قالت أنها وأحمد كتبا صفحتين من الملاحظات بلغة انجليزية ركيكة حول الأحوال المعيشية والبنية التحتية والتعليم والسلامة والأونروا.

وفيما يلي مقتطفات قليلة من مذكرات سارة:

العمل: "سيئ جداً. لا يوجد عمل لكثير من العمال ... والخريجون يتخرجون ويبقون في منازلهم دون عمل".

البنية التحتية: "المنازل والطرق ليست مناسبة للبشر ... وهناك خطوط كهرباء خطرة في الطرقات".

التعليم: "نواجه أعداداً هائلة في الفصول الدراسية، ولذلك، فإن [كل] الطلاب تقريباً لا يفهمون [الدروس]".

السلامة: "أكبر مشكلة ... لا يوجد أمان في المخيم".

الأونروا: "يوجد 120,000 لاجئ في مخيم عين الحلوة، وهم بحاجة إلى مساعدة من الأونروا، ولكن هذه الخدمة تقتصر [الآن] على بعض الناس فقط بعد أن خفضت الأونروا خدماتها، مثل الخدمات الطبية والتعليمية".


اليوم الثالث

يعاني لبنان بأكمله من مشكلة المرافق، ويواجه انقطاع الكهرباء بشكل مستمر وانتشار المياه القذرة، أو في بعض الأحيان لا توجد مياه على الإطلاق. وفي المخيمات الفلسطينية، تكون الإمدادات أكثر انقطاعاً وأقل جودة. ومما يزيد الطين بلة أن الناس عموماً لا يمكنهم تحمل نفقات المولدات الكهربائية أو مياه الشرب المعبأة التي تجعل الحياة أكثر احتمالاً بالنسبة للسكان الآخرين في البلاد. ولذلك عندما ينقطع التيار الكهربائي أو المياه، يصبح الطهي والتنظيف مستحيلاً.

 وفي ظل ذلك، يمكنك أن تتخيل عدد الأمراض المنتشرة، لكن الحصول على الرعاية الصحية يكون في كثير من الأحيان بعيداً عن المتناول المالي لمعظم اللاجئين في المخيمات، الذين يعيش ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر ويتدبرون أمورهم بأقل من 6 دولارات يومياً. تقدم الأونروا الرعاية الصحية الأولية مجاناً، لكنها أعلنت مؤخراً أنها ستخفض تغطية العلاج في المستشفيات لفترات قصيرة، في حالات مثل ولادة الأطفال والعناية المركزة، من أجل إنفاق المزيد من المال على الحالات التي تهدد الحياة والتي تتطلب علاجاً طويل المدى. وعلى الرغم من أن البعض سيستفيدون، إلا أن الكثيرين في المجتمع الفلسطيني يشعرون بأنها البداية لتخفيضات أكبر بكثير. وقد تم تنظيم مظاهرات دورية للاحتجاج على هذه الخطوة، بل إن رجلاً يبلغ من العمر 23 عاماً أشعل النار في نفسه خارج عيادة الأونروا مما تسبب في إصابته بجروح خطيرة.

 

 

 


اليوم الرابع

غالباً ما يوصف مخيم عين الحلوة بأنه "غير خاضع لسيطرة القانون" أو "ملاذ للإرهابيين". يعج المخيم بالجماعات المسلحة، بما في ذلك الفصائل السياسية الرئيسية مثل فتح وحماس؛ وجماعات إسلامية مثل عصبة الأنصار وجند الشام وفتح الإسلام؛ وإضافات حديثة العهد مثل المحسوبين على ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. تحدث اشتباكات بشكل دائم والاغتيالات شائعة. يسيطر الجيش اللبناني على جميع المداخل والمخارج الرسمية - ويسمح فقط بدخول الفلسطينيين الذين يحملون بطاقات هوية صالحة أو الأجانب الذين يحملون تصاريح خاصة - لكنه يترك السيطرة على الأمن داخل المخيم للمنظمات الفلسطينية.

ولمجابهة الوضع المضطرب على نحو متزايد في أعقاب تدفق نحو 50,000 لاجئ سوري - أي ما يقارب ضعف عدد سكان المخيم - وكذلك المقاتلين الأجانب، تم تشكيل قوة أمنية ذات مهارات عالية في عام 2014 تضم ممثلين عن كافة الفصائل الفلسطينية الرئيسية. وقد حققت بعض النجاح، ولكن المعارك لا تزال تندلع، ولم تفعل شيئاً يُذكر لترويض منطقتي التعمير والطوارئ اللتين تسيطر عليهما الجماعات الإسلامية المتطرفة، حيث تم رفع أعلام تنظيم الدولة الإسلامية جنباً إلى جنب مع ملصقات زعيم الجماعة أبو بكر البغدادي. ويبدو أن التطرف آخذ في الانتشار، وقد وردت تقارير حديثة عن رحيل شبان للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة. كما تنتشر شائعات عن خطط لإقامة إمارة إسلامية في المخيم.

وبالنسبة لمعظم السكان - يحاول الناس العاديون عيش حياة طبيعية فقط - ويسعون لتجنب الجماعات المتطرفة، والبنادق والمخدرات التي تأتي معها، ولكن الظروف المعيشية في المخيم تزداد صعوبة، وكذلك مهمة الابتعاد عن المشاكل.

الرجال المسلحون مشهد دائم في المخيم (نداء جنيف/فليكر)

الرجال المسلحون مشهد دائم في المخيم (نداء جنيف/فليكر)


اليوم الخامس

طرأت زيادة كبيرة في عدد سكان عين الحلوة منذ بداية الحرب السورية (الأونروا/أرشيف) 

طرأت زيادة كبيرة في عدد سكان عين الحلوة منذ بداية الحرب السورية (الأونروا/أرشيف)

 

إن الواقع في مخيم عين الحلوة لا يمكن أن يكون أكثر اختلافاً عن الاسم الذي يحمله. لم يكن حجمه يتجاوز ميلاً مربعاً عند تأسيسه في عام 1948 لإيواء اللاجئين الوافدين من ما أصبح الآن شمال إسرائيل، ولم تتغير حدود المخيم على الرغم من تضاعف عدد سكانه عدة مرات. وتم تدميره تماماً تقريباً عندما غزت إسرائيل لبنان في عام 1982، ومنذ ذلك الحين، تم بناؤه بشكل عشوائي. وكما هو الحال في المخيمات الفلسطينية الأخرى في لبنان، يكتظ عين الحلوة بالمباني التي غالباً ما تُصنع من مواد بدائية: طوب أسمنتي مفرغ (breezeblocks) تم لصقه بالأسمنت على عجل، وأسقف من الصفيح المضلع المثبت بالإطارات، ونوافذ مغطاة برقائق بلاستيكية. كما أن الطرق غير مستوية، وغالباً ما تكون غير ممهدة، ونظام الصرف الصحي متهالك وتتسرب منه مياه الصرف بشكل روتيني إلى شبكة مياه الشرب. وكان المخيم يأوي حوالي 70,000 شخص، ولكن منذ بدء الأزمة السورية في عام 2011، ارتفع عدد السكان إلى 120,000. وتعد التحسينات التي تشتد الحاجة إليها مكلفة وتستغرق وقتاً طويلاً جداً، ويرجع ذلك جزئياً إلى القيود اللبنانية على دخول مواد البناء إلى المخيم.

 

صور سارة لمخيم عين الحلوة


اليوم السادس

(فينيشيا ريني/إيرين)

(فينيشيا ريني/إيرين)

سارة فتاة مرحة بطبيعتها، لكنها تعترف بأن الحياة في المخيم تصيبها بالإحباط. إنها لا تحب حواجز الجيش التي تضطر لاجتيازها لمجرد الذهاب إلى المدينة، وتتحسر على عدم الترابط في المخيم قائلة: الأمور تزداد سوءاً كل يوم. إنها تريد حياة طبيعية، وتود أن تكون فتاة عادية تبلغ من العمر 19 عاماً وتخرج مع صديقاتها، وتتعلم الرقص، ولا تُصاب بالأمراض أو تشعر بالبرودة طوال فصل الشتاء، وتستطيع المشي بلا خوف في الحي الذي تقيم به. ولكن ما دام مخيم عين الحلوة في قبضة الفقر والتطرف، يبدو أنه من غير المحتمل أن تتحسن هذه الأمور.


انظر المزيد من اليوميات: