تقرير: فينيشا ريني في بيروت

اليوم الأول

هذا هو محمد.

محمد من مخيم نهر البارد، وهو مخيم فلسطيني يقع في أقصى شمال لبنان واكتسب سمعة سيئة عندما هدمه الجيش اللبناني عام 2007 لطرد جماعة إسلامية متشددة كانت تختبئ بداخله. يعيش محمد البالغ من العمر 20 عاماً في شقة بالطابق الأرضي تكثر بها التيارات الهوائية مع إخوته الثلاثة وأختيه ووالديه. يحب محمد لعب كرة القدم، ويدخن الشيشة ويمارس السباحة، على الرغم من أنه يقول أن البحر بالقرب من مخيم نهر البارد ليس نظيفاً. كما يقول أنه يكره العيش هناك، ويرغب بشدة في السفر إلى الخارج للدراسة - أي شيء من شأنه أن يسمح له بتجاوز ما يبدو أنه العار الذي يلحق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان.


اليوم الثاني

شهدت السنوات الخمس الماضية وصول 43,000 فلسطيني من سوريا إلى لبنان، واستقر نصفهم تقريباً في المخيمات الفلسطينية المكتظة بالفعل. ويعيش الآن ما يقدر بنحو 1,000 سوري و3,000 فلسطيني قادم من سوريا جنباً إلى جنب مع 22,500 شخص يقيمون بالفعل في مخيم نهر البارد، وكلهم يتنافسون على نفس الموارد المحدودة للغاية - ونحو  70 بالمائة من الأسر في المخيم لا تضم أي فرد يمارس أي عمل.

 وفي حين يتلقى اللاجئون السوريون في لبنان مساعدات من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن هذا ليس هو الحال بالنسبة للفلسطينيين القادمين من سوريا. ولأنهم فلسطينيون، فإن هؤلاء اللاجئين النازحين مرتين مؤهلون فقط للحصول على مساعدة من الأونروا التي تعمل بما يفوق طاقتها بالفعل. لقد كافحت الوكالة للتعامل مع هذه الأزمة، وفي العام الماضي، اضطرت لخفض مساعدتها الشهرية لدعم نفقات السكن العائلي للاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا والبالغة 100 دولار بسبب نقص التمويل المزمن. علاوة على ذلك، يواجه اللاجئون الجدد قيوداً صارمة مشابهة لتلك التي يواجهها الفلسطينيون في لبنان، ويصعّدون التنافس على العدد القليل من الوظائف المتاحة ويخفضون الأجور الهزيلة بالفعل. ويفرض هذا ضغطاً لا يمكن قياسه على مجتمع يكافح من أجل لقمة العيش.

أُعيد بناء حوالي نصف مخيم نهر البارد فقط (الأونروا/أرشيف)

أُعيد بناء حوالي نصف مخيم نهر البارد فقط (الأونروا/أرشيف)


اليوم الثالث

توجد مئات الإحصاءات حول الفلسطينيين في لبنان، وكم هائل من التقارير، والاستطلاعات التي لا تعد ولا تحصى والتي أُجريت في محاولة لتحديد محنة السكان المهمشين عقداً بعد عقد. لكن هذه الأرقام لا تفعل الكثير للتعبير عن الإهانة الكبيرة التي يمثلها كل ذلك، والإذلال الناجم عن النظر إليهم على الفور على أنهم مشبوهون وخطرون وغير جديرين بالثقة، وكل ذلك بسبب المكان الذي وُلد فيه أجدادهم. إنه عبء يومي ينبغي تحمله، ويشعر الكثيرون منهم أن الوسيلة الوحيدة للتخلص من هذا العبء هي الذهاب إلى بلد آخر والحصول على جنسية أخرى. يبلغ عدد الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا في لبنان حوالي 450,000 نسمة، ولكن وفقاً لتقرير صدر في عام 2010، لم يعد يعيش منهم في البلاد سوى 280,000 شخص على الأكثر، والباقون إما توفوا أو هاجروا.


اليوم الخامس

تم تدمير المخيم بأكمله أثناء القتال في عام 2007 (وزارة الخارجية/فليكر)

تم تدمير المخيم بأكمله أثناء القتال في عام 2007 (وزارة الخارجية/فليكر)

يقع مخيم نهر البارد على ما كان طريقاً مزدحماً بين طرابلس، إحدى المدن اللبنانية الرئيسية، وغرب سوريا، وكان مركزاً اقتصادياً غير رسمي مزدهراً نسبياً في شمال لبنان، وأفضل اندماجاً في المجتمع المحيط من أي من المخيمات الفلسطينية الـ11 الأخرى في البلاد. ثم، في صيف عام 2007، اندلعت اشتباكات بين جماعة فتح الإسلام والجيش اللبناني. وعلى مدار ثلاثة أشهر من القتال الشرس، سُوي المخيم بالأرض.

 اضطر محمد وآلاف السكان الآخرين للفرار إلى المناطق المجاورة. وعندما عاد هو وعائلته بعد ثمانية أشهر، كان منزلهم لا يزال قائماً، ولكن بالكاد يصلح للسكن.

 وكانت أعمال إعادة الإعمار بطيئة للغاية نتيجة لعوامل مختلفة، من بينها اكتشاف آثار رومانية، والخلافات المريرة بشأن كيفية تقسيم قطع الأرض بين السكان السابقين. وبعد ثماني سنوات، أُعيد بناء ما يقرب من نصف المخيم، ولا يزال كثير من الناس يعيشون في حاويات معدنية تم تصميمها كسكن مؤقت، كما توضح الصور التي التقطها محمد للحي الذي يقيم فيه. علاوة على ذلك، احتفظ الجيش اللبناني بالسيطرة على حدود المخيم، ويمنع الآن دخول أو خروج أي شخص من دون بطاقة هوية فلسطينية سارية المفعول أو تصريح خاص. وقد أدى هذا بشكل فعلي إلى عزل المجتمع وإخماد أي أمل في إنعاش الاقتصاد المحلي وتحويله مرة أخرى إلى سوق مزدهرة.

 

صور محمد لمخيم نهر البارد


اليوم السادس

(سامر غنيم/إيرين)

(سامر غنيم/إيرين)

يشعر محمد باليأس. فهو يرغب بشدة في الخروج من المخيم، والحصول على وظيفة أو منحة دراسية، واغتنام فرصة لعيش حياة كريمة، والفوز بفرصة لإثبات أنه أكثر من مواطن من طبقة دنيا لا ينتمي لأي مكان كما وصمه لبنان كشخص يائس وحسب. يريد محمد أن يذهب إلى الجامعة، لكنه لا يملك المال اللازم للالتحاق بجامعة خاصة. وكفلسطيني، لا يُسمح له بالالتحاق بمؤسسات الدولة المجانية تقريباً في البلاد. كما أن وضعه القانوني غير الواضح يجعل من الصعب عليه أن يتقدم بطلب للالتحاق ببرامج في الخارج. ولذلك، فإنه عالق هنا. سيكون عليه أن يلتحق بعمل بدلاً من ذلك، ولكن ما هو العمل المتاح لشاب من مخيم نهر البارد؟ بعض الأعمال الأكثر توافراً هي المساعدة في إعادة بناء مخيمه المتعفن، بينما هو يحلم طوال الوقت بالهروب منه بأية وسيلة ممكنة.

 

 

 


انظر المزيد من اليوميات: