هل تحاول نيجيريا فعل المستحيل لإثناء مسلحي بوكو حرام عن التطرف؟ وفي هذا الإطار، يحاور أوبي أنياديكي، محرر شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) السجناء والضحايا و"فريق مكافحة التطرف" الذي يسعى لدمجهم في المجتمع. ويستكشف الأسباب التي دفعتهم للانضمام إلى صفوف حركة التمرد التي تمزق البلاد.
لدى ضابط السجن مالام تاتا باعث داخلي قوي، إذ يرى أن من واجبه الديني مساعدة الناس على الخلاص، ويعتقد أن عدداً قليلاً قد ارتكبوا خطايا بنفس فظاعة الخطايا التي اقترفها مسلحو بوكو حرام الـ 43 الذين يخضعون لإشرافه في سجن كوجي، الذي يقع على مشارف العاصمة النيجيرية أبوجا.
قضى تاتا 26 عاماً في الخدمة في السجون ويقود حالياً فريقاً من الأئمة، والزعماء الدينيين المسلمين، في إطار استراتيجية محلية فريدة من نوعها، للقضاء على التطرف وإعادة تأهيل سجناء بوكو حرام. يتواصل فريقه، جميع ضباط السجن، بشكل قوي مع مجموعة سجناء بوكو حرام، حيث يعقدون معهم مناقشات دينية وروحية يومية تهدف إلى دحض الأساس الي تقوم عليه أيديولوجية العنف التي يتبناها أفراد الجماعة.
وحول نوعية هؤلاء السجناء، قال تاتا، وهو ضابط مرح وأنيق الملبس: "بعضهم أميون ولا يستطيعون حتى الاستشهاد بالقرآن، مع ذلك يقولون أنهم يجاهدون. وبعضهم متعلمون، قرؤوا القرآن والأحاديث، ولكنهم لا يفهمون الإسلام الصحيح. لقد وسوس الشيطان في آذانهم".
ويُعد سجن كوجي، وهو منشأة أمنية متوسطة، مرحلة تجريبية لبرنامج مواجهة التطرف العنيف في سجون نيجيريا، الذي أطلق في شهر مارس. وتقوم الفكرة الجوهرية لهذا البرنامج على "إعادة تأهيل" الرجال المتهمين بتهم تتعلق بالإرهاب، من خلال أنشطة مثل العلاج والرياضة والتعليم والتدريب المهني بحيث يتم تعديل سلوكهم، ومن ثم تقل مخاطر قدرتهم على تجنيد آخرين وهم داخل السجن، وفي نهاية المطاف يمكن إعادة دمجهم في المجتمع.
ويعد بناء علاقة قوية بين فريق "مكافحة التطرف" وسجناء بوكو حرام، الذين يعرفون رسمياً باسم "العملاء"، أمراً حاسماً لنجاح استراتيجية مكافحة التطرف. ويتحدث تاتا بنبرة وطنية حول أسباب انضمامه إلى الفريق، واعتقاده بأن القيام بما يأمره الله به له ثواب روحي عظيم.
وفي هذا الصدد، قال تاتا أن هذا العمل يشعره بالارتياح: "هؤلاء الأشخاص في غاية الخطورة. يمكن أن يقوموا بأي شيء. نحن نعرف أنهم يتواصلون مع أشخاص في الخارج".
ولدى تاتا تجربة شخصية مع مثل هذه المخاطر التي تمثلها جماعة بوكو حرام: لقد أصيب بجروح خلال هجوم نفذته بوكو حرام على أحد السجون، لكنه يرفض التحدث عن هذا الأمر. ويعتقد أن المد العسكري قد انحسر وأن المتمردين الآن يلوذون بالفرار. وقال أن "العملاء" في كوجي "يعلمون أنهم يخسرون...إنهم يشاهدون التلفزيون".
في اليوم الذي زرت فيه السجن، كانت هناك مباراة كرة قدم مهمة تعتبر بالنسبة لسجن كوجي مثل مباراة بين آرسنال وتشلسي في دوري أبطال أوروبا: كان الفريقان يشجعان بحماس، وكان الهتاف عالياً مدويَاً لدرجة تجعله يسمع من خارج الأسوار.
ولكن وجهتي هي جناح "مكافحة التطرف"، وهي مجموعة من الفصول الدراسية الحديثة، الأكثر هدوءً وانعزالاً، كان من المقرر في الأساس أن تكون جامعة مفتوحة. وتحتوي على عكس بقية غرف السجن المتقشفة على أجهزة تكييف للهواء.
جلست في غرفة صغيرة مع أحد "العملاء". رجل ممتلئ الجسم على الجانب الآخر من الطاولة يرتدي سروالاً من الجينز وقميصاً ضيقاً. لديه ذلك الشعر الأفريقي المجعد الذي يميز الأفارقة ولحية شعثاء ويلبس خاتماً كبيراً في إصبعه. يطلق على نفسه لقب قائد ولكنه يبدو كرجل ممن تشاهدهم في النوادي. يتحدث اللغة الهوسية، وهي لغة مشتركة يتحدثها أهل الشمال، في جمل قصيرة، ويُنهي كل فكرة بعبارة "قُل له" -إلى الإمام الذي يتولى مهمة الترجمة – حرصاً منه على أن أفهم قصته.
في منتصف المقابلة، يتوقف "القائد" الذي لا يريد أن يكشف عن اسمه، مؤقتاً. يعاني الإمام من نزلة برد لذا يميل إلى الأمام ويسأله عما إذا كان يريد إيقاف تكييف الهواء. وتبدو تلك لحظة اهتمام صادق.
يرى نفسه كرجل مر في مرحلة تحول، وينسب الفضل في ذلك إلى تاتا وفريقه. وعندما سئل أثناء المقابلة هل القرآن يبرر قتل المدنيين، قال القائد مراراً وتكراراً أنه لا يتذكر. من الواضح أنه لا يريد استعادة تلك الذاكرة القديمة. "لقد تغيرت. لا أريد التحدث عن المبررات". ويقترح الإمام أن نمضي.
يرأس فرديناند إيكوانج البرنامج الوطني لمكافحة التطرف، الذي يتبع بدوره لإشراف مكتب مستشار الأمن الوطني (أونسا). يتولى إيكوانج الإشراف على شبكة من المشاريع المترابطة التي ترمي إلى معالجة الدوافع الاقتصادية والاجتماعية للتجنيد في صفوف المتطرفين، فضلاً عن إرساء الأسس اللازمة لنزع السلاح والتسريح وجهود إعادة الإدماج بمجرد هزيمة بوكو حرام أو التوصل إلى اتفاق سلام معها.
ولدى إيكوانج موقف قوي تجاه الأشخاص الذين انخرطوا في أعمال العنف. أولئك الذين ارتكبوا الفظائع سوف يظلون في السجن تحت برنامج مكافحة التطرف. ولكن سيتم النظر في الإفراج عن الأشخاص غير القياديين الذين خضعوا لبرنامج مكافحة التطرف وسيسمح لهم "بمواصلة حياتهم"، ولكن سيتم وضعهم تحت المراقبة.
وقال إيكوانج أن المقياس ليس إذا كانوا سيتخلون عن معتقداتهم، ولكن إذا كان من المرجح أن يعودوا "لحمل البندقية".
وكوجي ليس السجن الوحيد الذي يوجد فيه أعضاء من جماعة بوكو حرام، إذ يوجد في سجن أجواتا، الذي يقع بالقرب من مدينة أونيتشا في الشرق، حوالي 100 شخص ممن سلّموا أنفسهم في وقت سابق من هذا العام، ومن المقرر أن يبدأ برنامج مكافحة التطرف في وقت قريب هناك، حيث سيتم تزويده بضباط تم تدريبهم في كوجي. وهناك منشآت أخرى تابعة لمكتب مستشار الأمن الوطني وقد بدأت تمتلئ في ظل تزايد أعضاء بوكو حرام الذين يلقون أسلحتهم.
والجدير بالذكر أن المشاركة في برنامج مكافحة التطرف طوعية. ففي سجن كوجي، اختار أربعة سجناء عدم الانضمام إلى برنامج العلاج لأسباب عملية وليست أيديولوجية: ذلك أنهم يطعنون في اتهام الحكومة لهم بأنهم أعضاء في الجماعة.
وكان معظم "العملاء" الـ 39 الأخرين – رهن الحبس الاحتياطي – محتجزون طوال السنوات الأربع الماضية، على الرغم من أنهم لم يكونوا في سجن كوجي طوال الوقت، وعندما يكون الشخص في أيدي الأجهزة الأمنية، قد لا يكون في أفضل الظروف الإنسانية.
فوائد الانضمام إلى برنامج مكافحة التطرف واضحة: أولاً، معظمهم يعيشون في زنازين منفصلة يوجد في كل منها سرير مزدوج من طابقين، وهو فرق كبير عن الأوضاع في بقية السجن، الذي افتتح في عام 1989 كمنشأة تحتوي على 80 سريراً، ولكنها تضم حالياً 910 سجيناً.
وهناك جناح خاص بهم تم تجديده بتمويل من الاتحاد الأوروبي، حيث يتم فيه عقد الأنشطة اليومية التي يتم تنظيمها لهم. ولديهم اللوازم الأساسية مثل ورق التواليت والصابون. وهو مستوى رعاية لا يوجد له مثيل في سجون نيجيريا التي تفتقر للتمويل الكافي، ونادراً ما تذكر فيها كلمة إعادة التأهيل.
وقال كازالي يوسف، منسق الفريق المشترك لمستشار الأمن الوطني/السجن في كوجي أن "الهدف الأساسي للبرنامج هو عدم إرغام أي شخص على الانضمام إلى البرنامج...إنها عملية إقناع طوعية. ربما ينضمون في البداية للحصول على الامتيازات فقط، التي تجعل قلوبهم ترق".
ولكن مع سجناء بوكو حرام غير المحبوبين بين عامة نزلاء السجن، "تؤدي الامتيازات الخاصة إلى الحقد وتشكل تحدياً بالنسبة لنا. ونضطر لأن نشرح [للسجناء الآخرين] أنه يتم تمويل هذا من خلال برنامج خاص من [الاتحاد الأوروبي]".
وقال الدكتور وهاب أكوريدي مدرب يوسف، مدير "فريق العلاج"، وهو طبيب نفسي، أنه يخلص بعد استعراض دراسات الحالة للعملاء الـ 43، إلى أن ما يميزهم عن المجرمين العاديين الذين اعتاد التعامل معهم هو مستوى الغضب، والرغبة في "تحطيم كل شيء".
هذا يشير إلى أنهم أنفسهم "ضحايا الصدمة النفسية": فهم يائسون، وفي حال وجود أي فرصة ولو ضئيلة جداً، سيصدقون أن الاستشهاد ثوابه الجنة.
لا يرى أكوريدي ولا يوسف – وكلاهما مسلمين ومن كبار ضباط السجن– أدلة قوية على التدين العميق بين العديد من الرجال في برنامج العلاج.
فعلى العكس من ذلك، يرى أكوريدي أسباباً أخرى محتملة للانخراط في صفوف المتطرفين: تعدد الزوجات في الأسرة حيث تتنافس الزوجات على الفوز بمودة زوجها على حساب الضرر الذي يلحق بالأطفال، وفق النسخة الإسلامية التي يتم تدريسها في العادة في الشمال، وترك الشبان يواجهون أماكن العمل الحديثة دون تأهيل، وقسوة الحكومات المتعاقبة التي زجت بالكثيرين في المعاناة والموت المبكر.
الشعور "بالاغتراب" هو الشرح المفضل لجاذبية بوكو حرام. معظم أعضاء الجماعة هم رجال لم ينالوا سوى قدر ضئيل من التعليم الرسمي، مع وظائف لا تكاد تكفي قوت يومهم ويعيشون على أطراف المدن، "ينظر إليهم الناس بازدراء حتى من جانب المسلمين في مجتمعهم الذين يعتبرونهم حثالة". إنهم ساخطون "والدين هو فرصة للتنفيس عن هذا السخط".
يُقسِّم أكوريدي النزلاء في سجن كوجي إلى مجموعتين – "الأشخاص المهمين" وأتباعهم. "الأشخاص المهمون أذكياء. يعرفون كيف يتعاملون مع الناس. يقولون لهم 'دينكم عزيز عليكم وهو في خطر'. يخلقون في الواقع عقيدة، يكون فيها الجميع – بما في ذلك المؤسسة الدينية والتقليدية – أعداء.
وإذا لم يكن النداء للدين والاستشهاد كافياً لجذب الشخص لصفوفها، تقدم بوكو حرام المعونة لأسرتك. "إذا كان هناك رجل غير راض عن نفسه. رجل لم يحظ بفرصة التعليم. ويشعر أن لا مستقبل له. فإذا أعطيته 10,000 نيرة نيجيرية [أي ما يعادل 50 دولاراً]، ليحمل قنبلة فسيفعل ذلك"، كما قال الدكتور وهاب أكوريدي.
"يبتسم "القائد" عندما سئل عن تاريخ انضمامه إلى جماعة بوكو حرام. تأسست الجماعة في عام 2002 من قبل رجل دين شاب، يدعى محمد يوسف، وتجذرت في مدينة مايدوجوري في شمال شرق البلاد في قلب المنطقة التي كانت مركزاً للتعليم الإسلامي لعدة قرون.
ولكن تحول القائد للتطرف سبق تأسيس الجماعة. وقال باعتزاز: "كنت عضواً في بوكو حرام قبل أن توجد بوكو حرام"، مشيراً إلى الاسم الرسمي للجماعة، جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد.
وكان عضواً في حركة طالبان النيجيرية (التي تعرف باسم "السنة والجماعة")، التي جندت المجاهدين للقتال في أفغانستان. وكانت الجماعة تدعو للجهاد، وهاجمت مراكز للشرطة ومبان حكومية على طول الحدود الشمالية الشرقية مع الكاميرون في أوقات كثيرة في عام 2004، قبل أن يبدأ يوسف الحديث عن المقاومة العنيفة للدولة العلمانية في نيجيريا.
وتعرضت حركة طالبان، ومن بينهم خريجو جامعة مايدوجوري، مع بعض من أتباع يوسف الأكثر تطرفاً، إلى هزيمة كبيرة عندما هاجم الجيش معسكرهم في شمال شرق ولاية يوبي. ولكن القائد لم يكن من بينهم - كان قد فر مع يوسف، الذي كان في ذلك الوقت يقوم ببناء حركة شعبية كان كبار القادة السياسيين في مايدوجوري حريصون على قيامها.
ينحدر القائد من "عائلة تقدر قيمة التعليم". لكنه كان متمرداً وترك المدرسة في وقت مبكر، حيث عمل في مطحنة في مسقط رأسه في بيو. وعندما اكتشف والده ذلك الأمر، طرده من المنزل. وهكذا بدأ القائد في الانجذاب نحو الإسلام، والتحق بمدرسة دينية، في ولاية أداماوا المجاورة، التي يديرها شيخ باكستاني.
كانت نيجيريا تمر في ذلك الوقت بحالة غليان حول قضية الشريعة. ويرجع السبب في تطبيق الشريعة في 12 ولاية شمالية ذات أغلبية مسلمة في عام 2000 إلى دعوات من الشارع الإسلامي للمساواة بغية وضع حد للرشوة والفساد التي تسود الحياة في نيجيريا. ولكن النخبة التي تخدم "الشريعة السياسية" توقفت عن القيام بأي إصلاح حقيقي، ونتيجة لذلك، بدأ بعض المتطرفين يستهدفون المؤسسة الشمالية.
"كان من السهل تجنيد الشباب. لقد كانوا حريصين على التعرف على الجهاد". ويعود ذلك جزئياً إلى نظام الماجيري Almajirai التقليدي، الذي لا يزال يدرس بموجبه ملايين من الصبية في الشمال. يقوم مُعلم قرآن (لا يكون لديه دائماً فهم راسخ للنص) بتحفيظهم عن ظهر قلب لسنوات، ويقومون بإعالة أنفسهم ومعلمهم عن طريق التسول.
وقد أدى هذا النظام إلى حرمان أهل الشمال من التعليم الحقيقي وإلى تصاعد مستوى التطرف في الشارع.
ويوجد لدى شمال شرق نيجيريا أسوأ المؤشرات الاجتماعية في البلاد. وقد ظل تقليد الحركات التقدمية في الشمال حتى فترة الثمانينيات للدفاع عن حقوق العوام ضد المؤسسة الإقطاعية المحافظة التي يُنظر إليها على أنها هي المسؤولة عن فقرهم، ولكن المقاومة الشعبية ضد الظلم في الوقت الحاضر تقوم في الغالب على مرجعية دينية.
اندلعت المواجهة بين بوكو حرام والسلطات في يوليو 2009. اختلف يوسف مع حكومة ولاية بورنو، وتوعد بالانتقام منها بعد مقتل مجموعة من أتباعه. هاجم رجاله مراكز الشرطة والمباني الحكومية في أربع ولايات الشمال. وأسفرت تلك المعارك عن مقتل 700 شخص، كان من بينهم يوسف، الذي قتل أثناء احتجازه لدى الشرطة في مايدوجوري.
القائد، الذي فر إلى شمال مدينة كانو ومكث في الظل حتى تم اعتقاله، يميز بين الأيام الأولى لجماعة بوكو حرام، والعنف الشديد الذي تمارسه الجماعة تحت قيادة خليفة يوسف، أبو بكر شيكاو، قائد من زمن الحرب يُنظر إليه أنه أكثر فتكاً منه مثقفاً، الذي أيد وانخرط في الحركة الجهادية العالمية.
وأضاف القائد:" أنا لا أعرف كيف حدث ذلك. في جميع البلدات التي يستولون عليها يقتلون الناس. من الذين ستحكمهم إذاً؟ لا أستطيع فهم هذا الأمر". لقد قتل أكثر من 25,000 شخص في أعمال عنف ترتبط بجماعة بوكو حرام داخل نيجيريا وعبر حدودها، معظمهم من إخواننا المسلمين.
جاء تاتا "بعميل" آخر لكي أتحدث معه، رجل نحيف لديه لحية مشذبه بعناية يضع نظارة ويرتدي قميصاً نظيفاً أبيض اللون ويتحدث بإجلال حول ما يعتبره استقامة وصدق يوسف. ويرى هذا الرجل أن السبب في ظهور بوكو حرام هو أن المجتمع النيجيري بحاجة إلى تطهير من الفساد والظلم والشذوذ الجنسي.
وقد كان أحد أعضاء مجلس "الشورى" الذي يترأسه يوسف، ويقول أنه قبل القبض عليه في عام 2011 قاد بوكو حرام في ثلاث ولايات، هي: بوتشي وجومبي وبلاتيه. ويتهم الرجل السلطات بالعدوان غير المبرر، الذي تجسد في هدم مجمع مسجد المركز التابع للجماعة عقب انتفاضة مايدوجوري، وقتل يوسف بطريقة غير قانونية، التي لم يتم فيها إدانة أي شرطي.
إذا كان هناك أي شخص يمكنه تلخيص أطروحة أكوريدي حول مخاطر الإحباط والسخط لدى الأفراد، فهو هذا الرجل الجاد.
كان واحداً من بين "38 أو 40" شقيقاً، وعلى الرغم من أنه أكمل تعليمه الابتدائي، إلا أنه ترك تعليمه الثانوي في سن 12. عمل ميكانيكي سيارات في مايدوجوري، ولكن فقر الشمال وعدم اكتراث الأثرياء أثار غضبه وسخطه. وحول هذا الأمر، قال: "كنت اعتقد أنه إذا كنت مستعداً لاستخدام العنف، فيمكنك تحقيق أهدافك".
ولم يتحدث عن الأماكن التي قاتل فيها أو الأمور التي فعلها، بل قال ببساطة: "قبل هذا البرنامج، لم يكن لديّ وقت لك. لم يكن هناك وقت للمزاح. كنت جاداً. الآن فقط أدرك أنه من المهم الاستماع للآخرين وتبادل وجهات النظر معهم".
أحمد موسى يبكي، وقد دفن وجهه في ذراعه. هو عضو في فرقة المهام المشتركة المدنية، وهي مجموعة أمنية ظهرت في عام 2013 لدعم الجيش بهدف إخراج بوكو حرام من مايدوجوري. ولكن كان لدى أحمد شقيقان في صفوف المتطرفين. ويقول عن أصغرهما "كنت أحبه كثيراً".
حاول جذبه إلى تجارته الصغيرة، لتحويله بعيداً عن التشدد، لكنه لم يظل معه. وبدلاً من ذلك، جاءه شقيقه الأصغر مع مجموعة من الرجال وطلب منه تخزين بعض الأسلحة الخاصة بهم. انضم أحمد إلى قوة المهام المشتركة مؤخراً وعلم أن شقيقه وضع اسمه على قائمة القتل. لقد كان طلب تخزين الأسلحة فرصته الأخيرة.
قاد أحمد مجموعة من فرق المهام المشتركة للقبض على شقيقه وتسليمه إلى الجيش، ومن ثم سيكون مصيره شبه المؤكد حكم الإعدام. قلت لهم "قيدوه"، قال أحمد، والألم لا يزال يعتصر قلبه: "لقد وعدت بأن لا أترك أحداً من بوكو حرام يعيش في هذا المجتمع".
ولا يعلم أحمد إن كان شقيقه الأكبر لا يزال على قيد الحياة ولكنه يعرف أنه متورط في هجوم على ثكنة المدفعية رقم 33 في مايدوجوري في عام 2013. قال أنه كان متردداً في الانضمام إلى بوكو حرام، وقد حدث ذلك من خلال أحد أصدقاءه الذي كان يبيع البنزين في السوق السوداء. في البداية، كان يقوم فقط بتخزين الأسلحة للجماعة، "ولكنهم دربوه تدريجياً على كيفية إطلاق النار، ومن ثم كيفية قطع رقاب [الأسرى]".
إنه موعد صلاة الظهر مباشرة في مايدوجوري، وأنا في منطقة تسمى سوق الاثنين حيث اعتاد محمد يوسف إلقاء خطبه في البداية. ومن هنا قام بإعلان الحرب ضد الدولة النيجيرية في يونيو 2009، عندما كانت مايدوجوري مدينة مزدهرة، تتمتع باقتصاد قائم على الثروة الحيوانية وشبكات تجارة تمتد إلى السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى.
تحدثت إلى رجلين حول الأسباب التي قادت إلى ظهور جماعة بوكو حرام، وفي هذه الأثناء انضم آخرون إلى النقاش، إنهم يحرصون على تخليص بالمدينة من العنف وإراقة الدماء التي أعقبت ظهور الجماعة.
ولكن سليمان أليو، مدير مدرسة، يعترف أنه كان هناك تأييد لبوكو حرام في المجتمع. نظراً لملابسهم التقليدية البسيطة، والسراويل القصيرة فوق الكاحل، كان ينظر إلى أعضاء الحركة على أنهم أتقياء ومنضبطون. لقد لاقت رسالتهم في مكافحة الفساد صدى لدى بعض الناس، وتأثر بعض أتباعهم الأثرياء بروح العصر، فتبرعوا بسخاء: "إذا لم تفكر بعمق، فقد تتبعهم".
عندما قُمعت الانتفاضة تشتت شمل جماعة بوكو حرام. ولكن ضخ السيولة المالية من الجهاديين في الجزائر ومالي أتاح لهم فرصة إعادة تجميع صفوفهم والعودة من جديد في عام 2010. وقد أدى قرار الحكومة بحظر استخدام الدراجات النارية كسيارات أجرة، لأنها كانت غالباً ما تستخدم في عمليات إطلاق النار، إلى فقدان ما يقدر بنحو 34,000 شخص مورد رزقهم، وهو ما جاء بنتيجة عكسية ودفع المزيد من الأشخاص إلى الانضمام إلى الجماعة.
وتتسبب عملية مكافحة التمرد غير الكفؤة التي يقودها الجيش وفرض العقاب الجماعي على الأحياء رداً على الهجمات، في زيادة معاناة الناس. ويأتي هذا في الوقت الذي تمنح فيه بوكو حرام النقود بسخاء: الجماعة سوف تتولى "تلبية احتياجاتك"، سواء كان ذلك المال المطلوب لإقامة حفل زفاف أو حفل تسمية مولود جديد "أعضاؤها يريدون ضمك إلى صوفهم أو قتلك إن رفضت".
وقال أليو: "إنهم يريدون تولي كل شيء في المجتمع". لقد كان تشكيل القوة المشتركة المدنية- المسلحة بالسواطير والفؤوس فقط- خطوة شجاعة ويائسة لوضع حد للإرهاب الذي تمارسه الجماعة. لقد كان هؤلاء الرجال بمثابة العيون والآذان للجيش، مما ساعده في طرد بوكو حرام من مايدوجوري بحلول نهاية عام 2013، وابقائها بعيدة عن المدينة إلى حد كبير.
لا يعترف سوى عدد قليل من الناس في مايدوجوري بانضمام أقاربهم إلى بوكو حرام، ولكن محمد جاريما مستعد للحديث حول هذا الأمر. قال أن ابن أخيه البالغ من العمر 25 عاماً انضم إلى الجماعة وإنه لا يزال يحاول أن يفهم السبب وراء ذلك.
وأوضح جاريما أن "الفقر ربما يكون [أحد الأسباب]". كان الشاب يعمل في ترميم الثقوب في جوانب الطرق، وكان يحصل على حوالي 5 دولارات في اليوم. وأضاف: "لكن كان هناك شيء آخر. كان دائم الانعزال عن الناس، ويتظاهر دائماً بأنه أكثر تديناً من أي شخص آخر."
كان جاريما نفسه يستمع للخطب التي يلقيها يوسف، ولم يكن معجباً بها: "كان ساخطاً على كل شيء: الطرق، والخدمات الاجتماعية، والتعليم، والمستشفيات، والأشياء التي نستخدمها - الأشياء التي يستخدمها – لم يكن هناك أشياء روحية كثير في ما يقول".
وفي عام 2009، اختفى ابن أخيه، وأدركت الأسرة أنه انضم إلى بوكو حرام. ظل على اتصال مع الأسرة بصورة دورية، وعندما توفيت جدته العام الماضي، طلب منه والده زيارة الأسرة. وأثناء وجوده في المدينة، تم التعرف والقبض عليه، وسمع جاريما أنه توفى خلال احتجازه في السجن في القاعدة الجوية في مايدوجوري.
هناك قناعة عامة بين الناس الذين تحدثت معهم في مايدوجوري يعكس موقف برنامج مكافحة التطرف: لا يمكن إعادة إدماج معظم المتشددين في بوكو حرام. وقال لي رجل طلب عدم الكشف عن اسمه "أنهم يظهرون في شكل الإنسان، ولكنهم في الحقيقة شياطين".
وأضاف جاريما: "هذا الشخص قتل والدتك أو والدك، وأحرق منزلك، كيف يمكن أن تعيش معه؟ هذا ليس ممكناً". مع ذلك، فقد أبدى نبرة أكثر تصالحية تجاه أولئك الذين أُجبروا على الانضمام لبوكو حرام. يمكن أن يكون هناك عفو في تلك الحالات "ولكن يجب عندئذ نقلهم إلى ولاية أخرى، وإلا فإن الناس سينتقمون منهم".
ووفقاً لايكوانج، رئيس برنامج مكافحة التطرف، والمتخصص أيضاً في برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج ومحاضر في أكاديمية الدفاع البريطانية في شريفنهام، سيتم وضع هؤلاء الذين سيسمح لهم بالعودة الى المجتمع في "مراكز لإعادة التأهيل" وسيكونون تحت المراقبة. وسيتم تجميعهم في مجمعات سكنية على أساس المهارات المهنية وتقديم مشورة إلزامية لهم.
لكن من الضروري قبول المجتمع لهم، حيث قال إيكوانج: "إذا أردنا إعادة حوالي 400 من المقاتلين السابقين إلى صفوف المجتمع، فيجب إشراك المجتمع. إذا كنا نريد إعادة 400 [من الأعضاء السابقين في بوكو حرام] إلى المجتمع، فنحن بحاجة لإيجاد أماكن لـ 400 شباب محلي في برامج الحكومة، وبخلاف ذلك سوف يصرخ أفراد المجتمع المضيف ويقولون إنهم ذاهبون إلى قتلهم".
ولكن نظراً للسجل السيء للحكومات النيجيرية السابقة في طرح برامج متوسطة الأجل، وتقليص التمويل، والإنفاق على نحو ملائم، فما الذي يحول دون انهيار برنامج مكافحة التطرف وتحوله إلى فضيحة؟ لكن أكوريدي رد بنبرة تنم عن الإصرار قائلاً: "ليس لدينا خيار" سوى مواصلة البرنامج.
والمسألة الأكثر جوهرية هي: هل برنامج مكافحة التطرف ناجح بالفعل؟ لا شك أن جناح مكافحة التطرف في سجن كوجي راض عن البرنامج، الذي يصب في مصلحة كل من الموظفين والمحتجزين. ففريق العلاج يرتدي ملابس مدنية وينخرط ويتحدث بحرية مع "العملاء"، وهو ما يعتبر شيئاً جديداً بالنسبة للبعض الذين تعودوا على السجون حيث يجب أن يجلس السجناء القرفصاء قبل أن يمكنهم الحديث مع الضابط.
وقالت اكبيديمي يودوم، المسؤولة عن برنامج مكافحة التطرف في جميع السجون: "لقد كان التحدي أن نكسب قلوب وعقول المتطرفين...هذا هو البرنامج الأول من نوعه في أفريقيا، ونحن نحقق نتائج استثنائية". ولكنها كمدير رفيع المستوى للسجون، تدرك أن ثمة معركة دهاء تحدث يومياً بين "العملاء" وفريق المعالجة داخل كوجي، حيث يتطلع كلا الجانبان لتعزيز مصالحهما.
تُعد يودوم عضواً في الجيل الجديد من ضباط السجون الإصلاحيين. لقد منحت "تفويضاً كاملاً" لتطوير برنامج سجن كوجي نيابة عن مكتب المستشار الأمن الوطني، حيث تقوم بالاستفادة من النهج المستخدمة في مكافحة التطرف في آسيا والشرق الأوسط وتكييفها بما يتناسب ونيجيريا.
والقضاء على التطرف يتطلب استثمارات ضخمة، بدءاً من تدريب الموظفين وصولاً إلى رفع مستوى المرافق وتمويل برامج ما بعد الإفراج عن السجناء. ولكن لا توجد تقارير واضحة حول معدلات العودة إلى الإجرام، وعما إذا كانت هي في الواقع المقياس الصحيح. ويعود جزء من هذه المشكلة إلى حقيقة أنه "من المبكر جداً معرفة ذلك... لأنه لم يمض على برامج مكافحة التطرف في بقية أنحاء العالم سوى قرابة 10 سنوات".
ولكن إيكوانج قلق بشأن مشكلة أكثر منهجية، تضرب بجذورها في سجل نيجيريا المروع في الحكم، وهي السبب الذي ساهم في ظهور بوكو حرام – وغيرها من الصراعات المتأججة في البلاد. وقال إيكوانج محذراً: "جميع أشكال التطرف هي عبارة عن أيديولوجية ومن ثم يجب التعامل معها على المستوى الشعبي، بدءاً حتى من رياض الأطفال، ويتعين أن تكون الحكومة أكثر استجابة ومسؤولية تجاه مواطنيها"، ثم توقف متأملاً وأضاف:
"كيف خسرنا هذا الجيل من الأطفال؟"
oa/ha/ag-kab/dvh