يصل أكثر من 150 مهاجراً كل يوم إلى جزيرة ليسفوس اليونانية. ويبذل السكان المحليون قصارى جهدهم لاستقبالهم ولكن العديد منهم يتركون لتدبر أمورهم بأنفسهم.
صور جيولا بيرتولوتزي وإليونورا فيو. تقرير إليونورا فيو/ناوارت برس
تبعد جزيرة ليسفوس اليونانية 10 كيلومترات عن تركيا. وفي الصباح الباكر، عندما يكون البحر هادئاً، يمكن رؤية القوارب المطاطية الصغيرة تقترب من سواحل موليفوس وسكالا سيكامينياس الشمالية للبلاد.
وبينما تظهر على وجوههم مشاعر مختلطة من الارتياح والاضطراب والضياع، يخوض راكبو القوارب الماء متجهين إلى الشاطئ، حاملين حقائب الظهر والأطفال الصغار وباحثين في الواجهة الصخرية للشاطئ عن أي علامات على الحياة.
وقد بدأت اليونان تلحق بركب إيطاليا بسرعة باعتبارها المدخل الرئيسي للمهاجرين وطالبي اللجوء إلى أوروبا.
ويأتي الآن 600 شخص في المتوسط كل يوم إلى الشاطئ الواقع في شرق بحر إيجه حيث وصل ما مجموعه 42,000 شخص حتى الآن في عام 2015، أي بزيادة ستة أضعاف عن العام الماضي.
وتصف زوي ليفاديتو من فريق الإنقاذ اليوناني Hellenic Rescue Team، وهي منظمة غير حكومية للبحث والإنقاذ، الوضع في جزيرة ليسفوس الواقعة في بحر إيجه بأنه "خارج عن السيطرة".
فهذه الجزيرة السياحية ذات الشعبية، والتي يبلغ عدد سكانها على مدار العام 86,000 نسمة فقط، تستخدم الآن كملاذ مؤقت لأولئك الفارين من الصراع والاضطهاد في بلدان مثل سوريا وأفغانستان وباكستان.
وقد حوّل المهاجرون ميتيليني، وهي البلدة الرئيسية على الجزيرة، من مركز للصيادين والسياح إلى مهجع مؤقت في الهواء الطلق. وقال وهاب البالغ من العمر 26 عاماً والقادم من أفغانستان: "أنام في الشوارع منذ ثلاثة أيام، ولا أحد يهتم. لم يتم تقديم الطعام أو البطانيات لنا لتغطية أنفسنا في الليل، ولم يكن لدى النساء أي شيء للغسل أطفالهن وتغذيتهم".
قبل أسبوعين تقريباً ترك وهاب كابول مع ثلاثة من أصدقائه، وسافروا عبر إيران وتركيا بالقطار والحافلة. وعن سبب اختياره القيام بهذه الرحلة قال: "الحياة في كابول خطيرة جداً ولا يوجد مستقبل لنا هناك. تسيطر حركة طالبان على جزء من المدينة بينما تسيطر داعش (الاسم العربي لتنظيم الدولة الإسلامية) على الجزء الآخر. في كل صباح تغادر منزلك ولا تعرف إن كنت ستعود إليه سالماً".
ويدفع المهاجرون للمهربين حوالي 1,000 يورو لكل شخص للجلوس مع 40 أو 50 شخصاً آخرين على متن قارب مطاطي صغير على أمل الوصول في نهاية المطاف إلى واحدة من الجزر اليونانية التي تنتشر في بحر إيجه.
وقد وصل ما يقرب من 5,000 شخص إلى ليسفوس وحدها في شهر مايو، وذلك وفقاً لإيليني فيليفاساكي، وهي محامية تعمل مع طالبي اللجوء في الجزيرة. تقول إيليني: "نتوقع أن تزداد الأعداد في فصل الصيف، عندما تتحسن الأحوال الجوية".
وقدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد الوافدين في مايو بما يقرب من 7,000 شخص، وقد دعت الحكومة والمنظمات غير الحكومية إلى تخصيص المزيد من الموظفين والموارد بشكل عاجل لمساعدة سكان الجزيرة في التعامل مع هذا التدفق السكاني.
ويصل الأشخاص المحظوظون إلى الشاطئ في موليفوس، وهي مدينة سياحية تطل على ميناء خلاب، حيث تم إنشاء ملجأ صغير من قبل القرويين المحليين وموظفي أحد المطاعم لتوفير الغذاء والكساء.
لكن الحظ لا يحالف الغالبية العظمى من المهاجرين الذين يصلون إلى ليسفوس حيث ينتهي بهم المطاف على شواطئ مهجورة. وليس لديهم خيار سوى السير إلى ميتيليني، حيث يجب أن يتم تسجيلهم من قبل خفر السواحل قبل إرسالهم إلى مركز الاعتقال الوحيد في الجزيرة على مشارف قرية موريا.
وقد أدى العدد الهائل من الوافدين الجدد إلى تعقيد مهمة نقلهم إلى هناك. وبدلاً من قضاء أيام من النوم في العراء في ميتيليني بانتظار نقلهم، يقرر الكثيرون المشي لمسافة سبعة كيلومترات إلى موريا.
وعندما قامت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بزيارة مركز الاعتقال، كان هناك أكثر من 600 شخص يصطفون للحصول على كوب من الشاي، بما في ذلك وهاب الذي قال: "لقد كنا دون طعام وماء لمدة 14 ساعة. يشعر الناس بالتعب والغضب. نحن نريد فقط مغادرة الجزيرة ومواصلة رحلتنا إلى الشمال، ولكن هذه الإجراءات مرهقة جداً".
ومن أصل 1,500 مهاجر يقيمون حالياً في المركز، ينام حوالي 1,000 شخص منهم في العراء في خيام حيث لا توجد مراحيض أو بطانيات وتكاد الحصص الغذائية تكون معدومة.
وقد ازداد التوتر في المخيم بين السوريين وأشخاص من جنسيات أخرى، الذين يدّعون أن للسوريين مكانة متميزة.
ولكن السوريين ينكرون الحصول على معاملة خاصة، إذ تقول عبيدة وهي سورية تبلغ من العمر 40 عاماً: "كان زوجي مهندساً وكنت مصففة شعر معروفة في حلب. انظروا إليّ الآن!" ورفعت حجابها وكشفت عن كتلة متشابكة من الشعر.
ويهدد رئيس بلدية ليسفوس، الذي انتخب في أكتوبر الماضي، باغلاق مركز آخر غير رسمي لاستقبال المهاجرين، يدعى بيكبا الذي يدار من قبل السكان المحليين كجمعية خيرية ويؤوي 30 مهاجراً في أكواخ وشقق بغرفة نوم واحدة.
وقالت إيفي لاتسودي، مؤسسة مركز بيكبا: "إذا كان رئيس البلدة مصراً جداً بخصوص ذلك، فيجب أن يفكر على الأقل بأماكن أخرى للمهاجرين. إن مطالبنا تقع على آذان صماء".
وعادة ما يقضي المهاجرون يومين أو ثلاثة في مركز موريا قبل الحصول على الوثائق التي تسمح لهم بالركوب على متن العبارات إلى البر الرئيسي. ويتم إعطاء السوريين الذين يمتلكون الوثائق الصحيحة تصاريح إقامة لمدة ستة أشهر في حين تصدر للجنسيات الأخرى أوامر ترحيل من قبل الشرطة، تمنحهم 30 يوماً لمغادرة البلاد أو طلب اللجوء.
وقالت فيليفاساكي: "تنص هذه الورقة على أنه لا يجوز للمهاجرين الاقتراب من المناطق الحدودية أو من أثينا، ولكن هذا أمر مثير للسخرية ومتناقض أيضاً. أولاً، المساكن المؤقتة موجودة في كثير من الأحيان في العاصمة اليونانية. ثانياً، السلطات تدفع الناس على الرحيل، ولكنها لا تدعهم يقتربون من الحدود".
ولا يرغب معظم المهاجرين في التقدم بطلب للحصول على حق اللجوء في اليونان وهم يبقون في البلاد فقط لفترة كافية تمكنهم من التواصل مع المهربين وتنظيم إجراءات مواصلة سفرهم إلى شمال أوروبا، وذلك باستخدام طريق صعب على نحو متزايد من خلال المرور بمقدونيا وصربيا.
من جانبها، تقوم السلطات اليونانية بغض الطرف عن تعليمات الاتحاد الأوروبي التي تنص على أنه يجب أخذ بصمة طالبي اللجوء في أول بلد أوروبي يصلون إليه.
ورفضت ليفاديتو اقتراح الاتحاد الأوروبي مؤخراً تخفيف الضغط على اليونان من خلال إعادة توطين 16,000 شخص من طالبي اللجوء في الدول الأعضاء الأخرى على مدى العامين المقبلين قائلة: