إعداد: المقداد مجلي
مع امتداد القصف الجوي في اليمن إلى مشارف الأسبوع الثالث واستمرار الحرب الأهلية في دفع البلاد نحو مزيد من التدهور، يتزايد عدد المدنيين المحاصرين في مرمى النيران. ويتحمل اليمنيون العاديون، الذين لا يزالون منذ فترة طويلة بين أشد الناس فقراً في منطقة الشرق الأوسط، على نحو متزايد وطأة الضربات الجوية التي تقودها المملكة العربية السعودية وانتقام المتمردين الحوثيين
فقبل 13 يوماً، بدأ التحالف الذي تقوده السعودية والمكون من 10 دول قصف اليمن لإزاحة المتمردين الحوثيين الذين استولوا على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر الماضي. وقد أدت الهجمات، التي تم التشكيك في مشروعيتها بموجب القانون الدولي، إلى مقتل العديد من المدنيين بالفعل
وفي محافظة إب التي تقع في وسط البلاد، استهدفت الغارات الجوية حوالي 12 ناقلة وقود ومحطتي وقود، مما أدى إلى ظهور سلسلة من الكرات النارية الهائلة. وقال السعوديون أنهم كانوا يستهدفون الأشخاص الذين ينقلون السلاح إلى الحوثيين، ولكن عندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أماكن القصف، كان عدد القتلى المدنيين شديد الوضوح
وفي إحدى البلدات، قال محمد رزق، أحد السكان المحليين، أن ناقلة وقود أصيبت أثناء غارة جوية عند نقطة تفتيش أمنية في الساعة الثانية والنصف صباحاً
"كنا نائمين، وفجأة سمعنا صوت انفجار صاخب جداً رفعنا من فوق مراتبنا. وسمعنا رجالاً ونساءً يطلبون المساعدة، فركضنا لإنقاذهم،" كما أفاد رزق، مضيفاً أن جميع الضحايا الـ13 الذين لقوا مصرعهم خلال هذه الغارة كانوا من المدنيين
وأضاف قائلاً: "رأيت أحد جيراني، صالح الجحافي، الذي وافته المنية اليوم بسبب الحروق، يرمي ابنته البالغة من العمر 12 عاماً من النافذة لإنقاذها من النار
وتبين أن ابن الجيران، عبد الله صالح الجحافي، الطالب البالغ من العمر 16 عاماً الذي يظهر في الصورة المقابلة، كان نائماً بجوار أشقائه عندما التهمت النيران منزلهم
وقال عم عبد الله لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "كان بيتنا هو الأقرب إلى نقطة التفتيش الأمنية، التي غطتها النيران. كان أخي يحاول إنقاذ عائلته، ولكنهم لقوا حتفهم جميعاً ما عدا عبد الله وابنته الصغيرة
كما تسببت غارة جوية على سيارة أخرى في حي سكني في مقتل 18 مدنياً بالإضافة إلى الجنود الثلاثة الذين كانت تستهدفهم، كما أفادت فرق الإنقاذ. وانتشرت ألسنة اللهب الناجمة عن الانفجار لمئات الأمتار فأحرقت العديد من المنازل والمتاجر والسيارات
وقال عبده أحمد البالغ من العمر 58 عاماً، وهو صاحب محلات مواد بناء دمرها الانفجار، أنه خسر بضائع تبلغ قيمتها 25,000 دولار: "انظروا! هذه هي البنادق والأسلحة النووية التي تستهدفها السعودية - بعض الدهانات والأنابيب البلاستيكية والمعدنية! لقد فقدت 25,000 دولار، فمن الذي سيعوضني عنها؟
وعلى الرغم من الحاجة إلى حل وسط، فقد صعد كلا الجانبين خطابهما السياسي في الأيام الأخيرة. وفي يوم الخميس الماضي عبر حزب التجمع اليمني للإصلاح المناهض للحوثيين وثيين رسمياً عن شكره للمملكة العربية السعودية على حملتها، وقال في بيان له: "يحدونا الأمل أن تعيد هذه العملية الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح
وفي يوم الجمعة، تم تنظيم احتجاج كبير مؤيد للحوثيين في وسط صنعاء. ودعا الخطيب البارز شرف القليصي اليمنيين لنقل المعركة عبر الحدود إلى المملكة العربية السعودية، واعداً بمزيد من العنف، وحث القبائل الموالية للحوثيين على القتال من أجل "النصر" و "الدم"
وكان مزاج هذا الحشد غاضباً وداعياً للانتقام
وتساءل محمد ناصر صلاح البالغ من العمر 48 عاماً قائلاً: "إنني أتساءل لماذا لم تشكل المملكة العربية السعودية وحلفاؤها قوة مسلحة موحدة ويوجهونها إلى إسرائيل التي تحتل دولة عربية وإسلامية مثل فلسطين؟
وبالنسبة للأسر اليمنية العادية، أصبح الوضع وخيماً. ففي العاصمة صنعاء، يصطف الرجال حول مربع سكني كامل لشراء الخبز والقمح، بينما جفت معظم محطات الوقود منذ فترة طويلة. وتتزايد المخاوف من نقص المواد الغذائية في بلد يستورد أكثر من 90 بالمائة من الحبوب.
"يفاقم اندلاع العنف هذا كارثة إنسانية قائمة بالفعل وعقوداً من الفقر،" كما ذكرت بريا جيكوب، القائمة بأعمال المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة، مشيرة إلى أن أكثر من 60 بالمائة من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات.
وأضافت جيكوب أن "850,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وتعاني نسبة صادمة تصل إلى 41 بالمائة من الأطفال اليمنيين من التقزم في أفقر بلد عربي
وتواصل المنظمات الإنسانية السعي إلى الوصول إلى المحتاجين، لكنها تظل تحت رحمة الوضع الأمني غير المستقر
وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها تأمل في أن تصل طائرة تحمل 48 طناً من المستلزمات الطبية صباح الثلاثاء
وفي هذا الصدد، قالت ماري كلير فغالي، المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن: "نأمل أن يتم تسليم الإمدادات الطبية غداً [الثلاثاء]. ما زلنا نحاول ترتيب المسائل اللوجستية مع طائرة الشحن ونأمل أن يكون كل شيء جاهزاً في أقرب وقت ممكن، غداً أو بعد غد، ولكنني لا أستطيع أن أعطيك موعداً محدداً
وفي سياق متصل، قُتل أخوان متطوعان في جمعية الهلال الأحمر اليمني نهاية الأسبوع الماضي في ميناء عدن على أيدي مسلحين مجهولين بعد بضعة أيام فقط من حادث مماثل في منطقة أخرى من البلاد
وأفادت فغالي أن "هذين الأخوين قُتلا أثناء إجلاء الجرحى. إنه مثال على مدى صعوبة العمل في منطقة نزاع تشهد معارك شديدة
وتجدر الإشارة إلى أن أولئك الذين يستطيعون الفرار يفرون من المدن الكبيرة إلى المناطق السكنية. ومع ضآلة الأمل في نهاية وشيكة للأزمة، ليس بوسع اليمنيين سوى أن يتوقعوا المزيد من المعاناة