الفرار المأساوي لليزيديين مما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية إلى قمة جبل في شمال غرب العراق سلط الاهتمام الدولي على تلك الأقلية قبل عام. والآن ما يزال الآلاف منهم يعيشون على قمة جبل سنجار، منسيون إلى حد كبير ويعيشون بقليل من المساعدة من العالم الخارجي.
تقرير صوفيا بارباريني
كان بابير حسن سعيد يمتلك 100 رأس من الأغنام قبل أن يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على قريته في شمال العراق في شهر أغسطس من العام الماضي، ويقتل أحد أبنائه ويجبره على الفرار.
وعقب مرور أكثر من عام منذ أن صعد هو وقرابة 50,000 شخص من اليزيديين إلى قمة جبل سنجار بعد مطاردة المسلحين لهم، تُرك سعيد و8,750 شخص غيره من الأقلية الدينية يواجهون مصيرهم في سلسلة الجبال القاحلة. ولم يتبق لديه الآن سوى أربعة رؤوس فقط من الأغنام، التي تزود أسرته الكبيرة بالحليب واللبن والصوف.
وتعليقاً على الأوضاع التي يعيش فيها، قال الأب لعشرة أطفال، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "من الصعب أن أعول الأسرة، ولكن نحن مجبرون على البقاء هنا".
ومنذ هروبهم المأساوي من تنظيم الدولة الإسلامية إلى الجبل، انتقل معظم اليزيديين للعيش في مخيمات اللاجئين في إقليم كردستان شبه المستقل في شمال العراق، فيما التمس آخرون السلامة في شمال سوريا.
أما أولئك الذين ظلوا هناك، فقد اختار بعضهم البقاء والانضمام إلى القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بينما كان آخرون ضعفاء جداً بما يحول بينهم وبين الرحيل. ويتفق الجميع على أنه على الرغم من الدعاية الكبيرة عن اضطهادهم ونزوحهم الجماعي، إلا أنهم لا يتلقون المساعدة الكافية.
غياب المساعدة
وراء سعيد، خيام بالية متناثرة على الهضبة، قدمتها معظم الدول الغربية عندما وصل اليزيديون في البداية إلى قمة الجبل. وقد قامت بعض الأسر ببناء هياكل من الألواح الخشبية ووضعت فوقها قطعاً من القماش أو البلاستيك كغطاء، لبناء مأوى أو اثنين إضافيين.
شكا سعيد، الذي يتميز بشاربه الأبيض الكثيف، قائلاً: "الخيام ليست دافئة بما يكفي وليس لدينا الكيروسين للتدفئة في فصل الشتاء". ففصل الشتاء على الأبواب، وسوف تنخفض درجة الحرارة إلى نقطة التجمد في شهر ديسمبر.
وعلى مرمى حجر من خيمة سعيد، تأخذ نوفة التي تبلغ 26 عاماً، استراحة من حياتها الروتينية اليومية التي تقضيها في الغسيل والطبخ وجمع الحطب، للاستمتاع بشمس الخريف اللطيفة مع بعض الفتيات من أقاربها.
وتقول نوفة أن العديد من الأطفال اليزيديين قد توفوا جراء العيش في العراء فوق الجبل في فصل الشتاء الماضي، وانعدام المرافق الطبية المناسبة يزيد من خطورة البرد القارس. وذكرت حكومة إقليم كردستان شبه المستقل لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن 280 شخصاً قد لقوا حتفهم في سنجار منذ شهر أغسطس الماضي، ولكنها لم تكشف أسباب الوفيات.
وأضافت نوفة قائلة: "هذا العام قمنا بشراء خيام خاصة بنا وغطيناها بالبلاستيك، كلفتنا قرابة 500,000 دينار عراقي (حوالي400 دولار)".
ولا توجد أعمدة كهرباء في الهضبة. والألواح الشمسية التي توجد خارج خيمة نوفة تزود الأسرة بما يكفي من الكهرباء لإنارة عدد قليل من المصابيح وشحن الهواتف النقالة. ويمكن مشاهدة لوحات الطاقة الشمسية، التي قدمتها إحدى منظمات المعونة، بجوار معظم الخيام.
كما يمكن رؤية آثار نشاط المنظمات غير الحكومية السابقة في شكل صناديق برنامج الأغذية العالمي المعاد تدويرها والألواح الشمسية، ولكن غياب عمال الإغاثة على الجبل واضح بشكل صارخ، فلا يوجد سوى بضعة أفراد يقدمون الدعم الروتيني.
والجبل هو صورة مصغرة من الانقسامات التي تعتري العلاقات البينية الكردية، إذ لدى جميع الميليشيات والأحزاب السياسية تقريباً، الموجودة في المنطقة، حصة في الجبل والمدينة التي تقع أسفله – فهي تقع على خط أنابيب نفط رئيسي – وتحتفظ مجموعتان على الأقل من الميليشيات الكردية بوجود هنا.
وهذا يجعل من الصعب على بعض المنظمات غير الحكومية التزام الحياد، خاصة وأن بعض اليزيديين أنفسهم هم من المقاتلين. وبالنسبة للآخرين، فهذا يعني مفاوضات مكثفة وآليات توزيع معقدة للتأكد من وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين يستحقونها. وفي بعض الأحيان يكون الأمر كله لا يستحق كل هذا العناء.
وعلى بعد بضعة كيلومترات من خط الجبهة النشطة، لا تستطيع بعض الجمعيات الخيرية الوصول إلى اليزيديين الذين تقطعت بهم السبل.
وفي هذا الصدد، قال توم روبنسون، مدير "مؤسسة رايز"، وهي جمعية خيرية محلية، لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "هناك صعوبات كثيرة في الوصول إلى المنطقة، ومخاوف أمنية كبيرة، والطبيعة المسيسة للغاية لبيئة العمل، كل هذه العوامل تشكل تحديات أمام تنفيذ مشروعات إنسانية [في جبل سنجار]".
صعوبة تأمين لقمة العيش
ومعظم اليزيديين الذين يعيشون على سطح الجبل عاطلون عن العمل: يعيشون على ما كانوا يدخرونه، وعلى زراعة الكفاف أو المعونات القليلة التي تصل إلى الجبل. أما اليزيديون القدامى، الذين كانوا هنا قبل نزوح العام الماضي، فيعيشون على بيع التبغ الذي يزرعونه منذ زمن طويل.
وفي شهر مارس، قامت جمعية خيرية يابانية بتركيب 12 خزاناً للمياه ومنذ ذلك الحين تنقل الشاحنات 24,000 لتر من المياه إلى الجبل يومياً. وأنشأ حزب العمال الكردستاني– وهو مليشيا قومية وصلت إلى الجبل في نفس الوقت الذي وصل فيه اليزيديون – بئراً ويقوم بتزويد الناس بالوقود اللازم لتسيير شاحنات نقل المياه. كما بدأ الحزب الديمقراطي الكردستاني المهيمن في إنشاء بئر أخرى.
يقوم سليمان عيسو بحراسة أحد الآبار ويقوم بتشغيل المولد الذي يضخ المياه مقابل 100 دولار شهرياً يتقاضاها من حزب العمال الكردستاني. ويقول أن عمره لا يتجاوز 45 عاماً، ومع ذلك يبدو وكأنه أكبر من ذلك بعقود.
وتحدث عيسو لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) على وقع هدير المولد: "يأتي إلى هنا حوالي 50 شخصاً كل يوم لملء جراكن المياه، وفي بعض الأحيان أكثر من ذلك لسقية أغنامهم". وأوضح أن بإمكان جميع الناس استخدام البئر طالما أنهم يشاركون المياه التي يأخذونها مع جيرانهم.
وتنتشر في المنطقة أيضاً خمسة مطاحن للدقيق، تبرعت بها مؤسسة رايز ومنظمة معونة أخرى لمجتمع النازحين في شهر مايو. وتقدم هذه المطاحن مساعدة هائلة للناس خلال موسم الحصاد حيث يمكن أن توفر هذه الآلات طناً من الطحين كل ثماني ساعات، مما يتيح لهم الاعتماد على أنفسهم في إنتاج الخبز.
ولكن مع اقتراب نهاية موسم الحصاد، يضطر العديد من اليزيديين إلى شراء الطحين بدلاً من طحن القمح. وعلى الرغم من أن نظام التوزيع العام في بغداد، وهو نظام إعانة غذائية حكومية، يلتزم بتزويد كل مواطن بتسعة كيلوغرامات من الطحين، إلا أن هذه الحصص لا تصل إلى اليزيديين في جبل سنجار بسبب بعد المكان.
انتهز الفرصة المناسبة
ويمكن شراء الدقيق والخضروات، إضافة إلى أشياء متنوعة أخرى، في أحد المتاجر الصغيرة المبنية بالطوب الأسمنتي، التي توجد على جانب طريق طويل متعرج على الجبل. ثمن كيس الدقيق زنة 50 غراماً 5 دولارات.
وقال مالك أحد هذه المتاجر أن التجارة تسير بشكل جيد، على الرغم من انتشار البطالة، وأنه فتح متجره هذا منذ بضعة أسابيع بعد أن فقد الأمل في العثور على وظيفة أخرى.
داخل المتجر، عبارة عن هيكل صغير ومعتم، يجلس مجموعة من الشبان في زاوية ضيقة يتناولون بذور عباد الشمس، وتمتلأ رفوف المتجر بالبيض، وزيت الطهي، والسجائر، والحفاضات والبيرة.
وأضاف صاحب المتجر: "أعمل مع شريك يُحضر البضائع [من المدن] إلى الجبل...الأسعار [في المتجر] كتلك الموجودة قبالة الجبل".
وعلى الطريق، يتدرب رجلان مدنيان يزيديان على الرماية ببنادقهما، بينما يحوم حولهما مجموعة من الصبية، غير عابئين بالضوضاء، حيث يقومون باستخدام خراطيش الرصاص الفارغة كصفارات. وعلى الرغم من وجود مدرستين في الجبل، ولكن يبدو أن معظم الأطفال لا يذهبون إليهما.
وقال الرجلان أنهما يمتلكان البنادق ويستخدمانها لحماية أسرتيهما. وعلى الرغم من أن النازحين على جبل سنجار تمكنوا في إعادة خلق شعور نسبي بالحياة الطبيعية، إلا أن هدير طائرات قوات التحالف التي تشن غارات على تنظيم الدولة الإسلامية، ومقاتلي الميليشيات الذين يعيشون بينهم، يذكرونهم دوماً بقربهم من الحرب. وعلى السفح الجنوبي للجبل، تستعر المعركة لاستعادة مدينة سنجار، التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
وحتى إذا تمت استعادة مدينة سنجار والقرى المحيطة بها من تنظيم الدولة الإسلامية، فمن غير المرجح أن يتمكن النازحون اليزيديون – الذين يبلغ إجمالي عددهم 400,000 وفق رواية حكومة إقليم كردستان – من العودة إلى ديارهم قريباً: لأن إزالة الألغام واستعادة البنية التحتية ستستغرق وقتاً. ولكن غالبية الناس هنا لا يفكرون في هذا الأمر الآن. فهم مشغولون ببساطة باجتياز فصل الشتاء بسلام.
ومع بدء غروب الشمس في الساعة 05:30 مساء، يمكن رؤية أعمدة الدخان الرمادية وهي تتصاعد من الأفران المبنية من الطين حيث يتم تحميص الخبز لتجهيز وجبة العشاء. بعدها، يحل الظلام على مزارع التبغ والكتلة المتاخمة من الخيام والبيوت المبنية من الطوب. ويبدأ الضوء المنبعث من المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية، تدريجياً في إنارة الهضبة المترامية الأطراف.
تصوير توم روبنسون، تحرير آني سليمرود