يدفع اللاجئون والمهاجرون الذين يحاولون المرور عبر قرية ايدوميني الصغيرة قرب حدود اليونان مع مقدونيا ثمن تطبيق دول شمال أوروبا لسياسات الحدود التي تفرض قيوداً متزايدة.
تقرير تانيا كاراس في ايدوميني وتصوير ديميتريس توسيديس
خلال عطلة نهاية الأسبوع، اضطر آلاف اللاجئين والمهاجرين إلى النوم في العراء على الرغم من انخفاض درجات الحرارة إلى -8 درجة مئوية لأن مقدونيا سمحت فقط لعدد قليل من اللاجئين بعبور حدودها مع اليونان. وهناك شعور قوي بين أولئك الذين ينتظرون عند الحدود بأنهم قد يصبحون من بين آخر المسموح بدخولهم إلى أوروبا.
قضى محمد البالغ من العمر 30 عاماً وزوجته ريم البالغة من العمر 27 عاماً، وهما من بغداد، ليلة الجمعة في خيمة تابعة لمنظمة إغاثة، وجلسا متلاصقين تحت البطانيات في انتظار إعادة فتح السلطات المقدونية للمعبر.
لم يكن الزوجان - هو مهندس كمبيوتر وهي مترجمة - على استعداد لتحمل تدهور الوضع الأمني والاقتصادي في العراق أكثر من ذلك. وشعرا أن الأبواب إلى أوروبا، منفذ هروبهم، ربما تكون توشك على الإغلاق، ولذلك قررا التحرك بسرعة.
"في البداية، كنا نريد الانتظار حتى الربيع، لكن الوضع في أوروبا يتصاعد، خاصة بعد هجمات كولونيا،" كما أفاد محمد، الذي طلب عدم ذكر اسمه الأخير.
وأضاف أن "العديد من الدول تغلق حدودها ولذلك، غادرنا العراق يوم الثلاثاء، ونحاول الوصول بأقصى سرعة إلى ألمانيا".
وهناك تغييرات كبيرة على قدم وساق بالفعل، حيث تتزايد رغبة القادة الأوروبيين في وقف تدفق اللاجئين القادمين قبل فصل الربيع، إذ من المتوقع ارتفاع أعدادهم مرة أخرى حينئذ.
وفي الأسبوع الماضي، أصبحت النمسا، التي استقبلت حوالي 90,000 طالب لجوء في عام 2015، أول دولة أوروبية تضع سقفاً للعدد الذي ستقبله في المستقبل. وقال المستشار النمساوي فيرنر فايمان أن بلاده سوف تحد من عدد الطلبات بحيث لا يتجاوز 37,500 هذا العام و127,500 بحلول منتصف عام 2019. ولن يُسمح بدخول لاجئين سوى أولئك الذين يرغبون في طلب اللجوء إلى ألمانيا أو النمسا.
وقد فجرت هذه التصريحات سلسلة من ردود الفعل بين الدول الأخرى المطلة على ممر غرب البلقان المؤدي إلى أوروبا. وسعياً لتجنب الاختناقات في بلدانهم، أعلنت سلوفينيا وكرواتيا وصربيا ومقدونيا عن اتخاذ تدابير رقابة مماثلة، وأنها سوف ترفض دخول الأشخاص الذين يلتمسون اللجوء في أي مكان آخر غير ألمانيا والنمسا.
وقد أصبح المسؤولون اليونانيون في مخيم العبور في ايدوميني، بحكم الأمر الواقع، هم منفذو أي سياسات جديدة يتم الإعلان عنها في الشمال على طريق البلقان الغربي. ففي أوائل ديسمبر، على سبيل المثال، اندلعت احتجاجات جماعية عنيفة بين آلاف الناس الذين تقطعت بهم السبل في ايدوميني عقب اتخاذ العديد من دول البلقان قراراً في شهر نوفمبر الماضي بالسماح بدخول اللاجئين السوريين والأفغان والعراقيين فقط.
وأقامت الشرطة اليونانية مكتباً متنقلاً يوم الخميس في مخيم العبور لسؤال الناس عن الدولة التي يخططون طلب اللجوء إليها. ويجب على اللاجئين والمهاجرين الآن الانتظار في العراء في درجات حرارة دون الصفر للحصول على هارتيا (كلمة يونانية تعني 'أوراق') الخاصة بهم بعد ختمها وتحديد وجهتهم النهائية عليها. ويتم إرسال من يقولون أنهم متجهون إلى ألمانيا أو النمسا للانتظار في الخيام حتى تقوم مقدونيا بإعادة فتح الحدود مرة أخرى لفترة وجيزة.
وما لا يثير الدهشة حتى الآن أن الجميع حددوا ألمانيا والنمسا كوجهتهم النهائية. ولكن حتى الآن، ليس من الواضح ما قد تكون التداعيات إذا حاولوا في وقت لاحق الذهاب إلى بلد آخر.
وتجدر الإشارة إلى أن مخيم ايدوميني، الذي يمكنه استيعاب 1,200 شخص، مجهز بخيام عملاقة مُدفأة، وأماكن للاستحمام، وأغذية وبطانيات وملابس شتوية، ومساحات منفصلة للاجئين المعرضين للخطر بشكل خاص. ولكن منذ اندلاع الاحتجاجات في الشهر الماضي، تجبر الشرطة اليونانية الحافلات التي تقل اللاجئين إلى ايدوميني من أثينا على التوقف عند محطة بنزين تبعد 20 كيلومتراً لأسباب تتعلق ظاهرياً بالسيطرة على الحشود. ويُسمح بدخول عدد أقل من 300 شخص إلى المخيم في كل مرة. وطوال الليالي الماضية، أرغمت هذه السياسة أكثر من 2,500 شخص على النوم عند محطة البنزين - في كثير من الأحيان في العراء، على الأرض في درجات حرارة تحت الصفر.
وقالت جيما غيلي، المتحدثة باسم منظمة أطباء بلا حدود في ايدوميني: "إننا نرجو الشرطة أن تسمح لنا باستخدام المخيم، لكنها لا تسمح لنا بذلك ولا تُبدي أسباباً للرفض". وتقوم غيلي برحلات مكوكية بين المخيم ومحطة البنزين، التي سمح مالكوها للمنظمة الطبية الخيرية بإقامة 6 خيام. ولم يُسمح للمنظمات الإنسانية الأخرى بتقديم أي خدمات هناك.
وفي سياق متصل، تقول المنظمات غير الحكومية والمتطوعون العاملون في ايدوميني أنهم يخشون ما سيحدث عندما تكتمل الحصة التي حددتها النمسا. لقد وصل ما يقرب من 45,000 مهاجر ولاجئ بالفعل إلى اليونان منذ بداية العام، على الرغم من ظروف الشتاء القاسية. ولابد أن الغالبية العظمى منهم قد عبرت النمسا من أجل الوصول إلى ألمانيا أو جهات أخرى في غرب وشمال أوروبا. وقد تقدم حوالي 6,000 شخص بطلبات للحصول على حق اللجوء في النمسا حتى الآن في عام 2016، وفقاً لكارل هاينز غروندبوك، المتحدث باسم وزارة الداخلية. ويسعى مكتب المستشار لاستطلاع الآراء القانونية حول ما إذا كان باستطاعة النمسا إبعاد طالبي اللجوء الإضافيين بمجرد الوصول إلى الحد الأقصى لهذا العام، وهو 37,500 لاجئ.
وقال الرئيس الألماني يواخيم غاوك الأسبوع الماضي أن فرض ألمانيا لحد مماثل "أمر مرجح للغاية" هذا العام.
وتساءلت غيلي: "أين سيذهب كل أولئك الذين لا يستطيعون عبور الحدود؟ إن تلبية الاحتياجات الأساسية للناس صعبة بما فيه الكفاية بالفعل".
من جانبه، حذر رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس من أن بلاده تجازف بالتحول إلى "صندوق أسود" للاجئين مع استمرار تدفقات الهجرة بلا هوادة واستمرار إغلاق البلدان الأخرى لحدودها.
أتت غالبية ما يزيد عن مليون لاجئ ومهاجر الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى أوروبا في العام الماضي، عبر اليونان، وهو بلد يكافح بالفعل للتعافي من الأزمة المالية التي طال أمدها. وتواجه اليونان جولة جديدة من التهديدات من الدول الأعضاء الأخرى بأنها سوف تُجبر على الخروج من منطقة شنغن للتنقل الحر التابعة للاتحاد الاوروبي اذا لم تبدأ في اتخاذ المزيد من الإجراءات للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي.
ومن المقرر أن يناقش وزراء الداخلية الأوروبيون تدابير حدودية جديدة، بما في ذلك إمكانية استبعاد اليونان مؤقتاً من منطقة شنغن، خلال اجتماعهم في أمستردام يوم الإثنين المقبل.
ولكن في ايدوميني، يقول عمال الإغاثة والمتطوعون أن اللاجئين والمهاجرين هم الذين سيدفعون الثمن الأكبر لتطبيق سياسة الحصص والأسوار في أوروبا، مما يجبر العديدين منهم على الوقوع في أيدي المهربين.
وقال ألكسندروس فولغاريس، الذي يرأس الوحدة الميدانية التابعة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ايدوميني: "عندما يكون لديك أشخاص لا يتورعون عن القيام بأي شيء للوصول إلى وجهتهم النهائية، فإنهم ببساطة سوف يحتاجون إلى إيجاد طرق أخرى، وهذه المسارات عادة ما تكون مع المهربين. إنهم يائسون، ولذلك فإنهم سوف يجدون وسيلة".
tk/ks/ag-ais/dvh