يتعرض الفلسطينيون في مخيم برج البراجنة بشكل منتظم للموت بسبب الكابلات الكهربائية المتدلية من دون اتخاذ إجراء بشأنها على الإطلاق. وفهم السبب في ذلك يرتبط بقلب المشاكل التي يواجهها مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
تقرير مات ناشد وصور جيمس هينز يونغ
تكسو أنابيب المياه وأسلاك الضغط العالي الصندوق الكهربائي الرئيسي الذي يوزع الطاقة من الشبكة في وسط مخيم برج البراجنة في بيروت الذي يعرف محلياً باسم "جدار الموت". إنها صدئة ومكشوفة ومعلقة على ارتفاع الرأس في شارع رئيسي في هذا المخيم المكتظ الذي يأوي اللاجئين الفلسطينيين. وقد لقي عدة أشخاص مصرعهم أثناء محاولة العبث بها على مر السنين، مع ذلك، لم يتم اتخاذ أي إجراء لجعلها أكثر أماناً.
إذا كنت تبحث عن رمز للكفاح الذي يواجهه اللاجئون الفلسطينيون خلال محاولتهم لعيش حياة بسيطة ولكنها كريمة، عندما يُحشر 18,000 نسمة بشكل فوضوي في قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها كيلومتراً مربعاً واحداً، فإن هذا هو المكان المنشود.
وبحسب تصريحات المسؤولين عن المخيم، لقي 48 شخصاً مصرعهم جراء الصعق بالكهرباء في برج البراجنة في السنوات الخمس الماضية. وقد كان بالإمكان الوقاية من غالبية هذه الحوادث، ولكن المزيج من نقص التمويل والتعنت السياسي اللبناني والاقتتال الداخلي الفلسطيني عرقل أي فرصة لتنفيذ الإصلاحات البسيطة التي يمكن أن تنقذ عشرات الأرواح.
كان أحمد القائد البالغ من العمر 54 عاماً أصماً ويائساً. وقبل العمل كعامل بناء، كان يكسب 26 دولاراً فقط في الأسبوع، وكان أجره بالكاد يغطي احتياجات زوجته أمل وأطفالهما الثلاثة. وفي برج البراجنة، يعتبر أي عمل في مجال البناء خطيراً للغاية أيضاً.
وفي أكتوبر الماضي، أخذ أحمد استراحة لتناول الغداء في منزله مع زوجته. وبعد فترة وجيزة من عودته للعمل، كان هناك دق محموم على الباب، فقد صعق كابل كهربائي معلق أحمد، وتم نقله إلى المستشفى حيث توفي بعد عدة ساعات. وقالت أمل البالغة من العمر 34 عاماً بصوت وقور: "لقد كان رجلاً متواضعاً وكان يحسن معاملتنا".
تأسس مخيم برج البراجنة عام 1948، بعد أن أجبر قيام دولة إسرائيل مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار، وانتهى المطاف بـ100,000 منهم في لبنان. وفي الوقت الحاضر، يوجد 400,000 فلسطيني على الأقل في لبنان، ويعيش نصفهم تقريباً في 12 مخيماً معترفاً به للاجئين، من بينها برج البراجنة.
والجدير بالذكر أنه بعد اتفاق القاهرة في عام 1969، أُعطيت المخيمات وضع الحكم شبه الذاتي وخضعت لسلطة اللجان الشعبية. وقد صُممت هذه المنظمات لأداء وظائف البلدية، مثل توفير المياه والكهرباء للسكان.
ولكن بعدما أصبح الوجود الفلسطيني لا يحظى بشعبية على نحو متزايد بسبب اشتراك منظمة التحرير الفلسطينية في الحرب الأهلية اللبنانية خلال الفترة من 1975 إلى 1990، جعلت الحكومة بقاءهم في لبنان أكثر صعوبة.
وفي عام 1987، ألغت الحكومة من جانب واحد اتفاق القاهرة دون وضع إطار قانوني جديد ليحل محله. وظلت اللجان الشعبية دون تغيير، لكن سلطاتها أصبحت أكثر غموضاً وتداخلت مع سلطات الدولة اللبنانية.
وفي عام 2010، تم إدخال قيود قانونية جديدة تحظر استيراد مواد البناء إلى برج البراجنة. وقد تسببت هذه القيود في تأخير أصاب الحياة بالشلل. ولا تزال اللجنة الشعبية الفلسطينية بحاجة إلى إذن لجلب المواد اللازمة لحل أزمة الكهرباء، لكن الحكومة اللبنانية تعارض تحسين البنية التحتية في المخيم لأن هذا يعتبر تشجيعاً لاستقرار اللاجئين في لبنان بشكل دائم.
وفي السياق نفسه، قالت زيزيت دركزللي، مسؤولة الإعلام في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، وهي الوكالة المسؤولة عن الفلسطينيين، أن بعض المحاولات قد بُذلت لحل هذه الشكلة، ولكن الحقائق الأساسية لا تزال دون تغيير.
وحيث أن الحكومة اللبنانية تهدد أيضاً بهدم أي مشاريع إعادة إعمار كبيرة يتم تنفيذها دون موافقتها، ليس أمام الفلسطينيين خيار سوى التعايش مع مخاطر الكهرباء القاتلة وسوء الخدمات حيث لا توجد أضواء في الشوارع وانقطاع التيار الكهربائي أمر شائع.
وحتى عندما يتم السماح بإصلاحات طفيفة، تُناضل الأونروا لتنسيق المشاريع بسبب الاقتتال الداخلي بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة التي تتنافس على النفوذ السياسي والسيطرة على المخيمات.
ونظراً لوجود مخططات مختلفة مصممة من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية وتنازع جماعات متنافسة عليها في المخيمات، غالباً ما تكون خطط مواجهة مخاطر الكهرباء غير منسقة وغير متناسقة.
من جهته، اعترف أبو بدر، رئيس اللجنة الشعبية في مخيم برج البراجنة، بأن هناك حاجة إلى عمل المزيد للتوفيق بين المصالح الفلسطينية المتنافسة، لكنه حمل الحكومة اللبنانية المسؤولية الكبرى عن سوء أحوالهم المعيشية.
وقال أبو بدر لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) بينما كان يشرب الشاي في مكتبه: "نريد أن نعيش بكرامة، لكن الحكومة لا تريد الفلسطينيين على أرضها".
ورفضت وزارة الشؤون الاجتماعية والداخلية في لبنان التعليق على هذا الموضوع.
ولأن المخيمات في لبنان بُنيت على عجل بغرض الإيواء المؤقت بعد عام 1948، لم يتم تنفيذ بنية تحتية مستدامة على الإطلاق. وفي الوقت الذي يشكل فيه الفلسطينيون أكبر وأطول أزمة لاجئين اليوم، تزيد الزيادة السكانية المستشرية المخاطر سوءاً.
وقد أدى نزوح أكثر من 50,000 فلسطيني من سوريا إلى لبنان إلى تفاقم المشكلة. وتعاني الأونروا من نقص تمويل حاد سوف يضطرها إلى تعليق مساعدات الإسكان المقدمة للفلسطينيين القادمين من سوريا إلى لبنان اعتباراً من شهر يوليو، وفي الوقت نفسه، لا تزال الحكومة مترددة في السماح للاجئين بتحسين أحوال المخيمات.
وتخشى الحكومة من تشجيع الاستيعاب والإخلال بالتوازن الدقيق بين المجتمعات الإسلامية والمسيحية العديدة والمختلفة في البلاد، وتصر على أن تحسين الحياة في المخيمات من شأنه أن يهدد "حق عودة" الفلسطينيين إلى وطنهم.
تجلس أمل، التي جاءت هي نفسها من سوريا، على كرسي خلف أطفالها الثلاثة، وتحمل بطاقة هوية زوجها في كف يدها. ثم وضعتها على الطاولة بجانب بطاقتها، وتساءلت كيف سيمكنها أن تعول أطفالها من دونه.
وقالت باحباط: "لا أستطيع أن أعود إلى سوريا، وآمل أن أجد شخصاً يساعدنا هنا".