هل تستخدم تركيا حربها على الدولة الإسلامية كذريعة لملاحقة عدوها الكردي اللدود؟

 في أواخر الشهر الماضي، شنت تركيا غارات جوية على ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية ورحبت الولايات المتحدة بذلك باعتبارها لحظة مهمة في تطوير استراتيجية مشتركة لمواجهة المتشددين الإسلاميين.

 ولكن بعد ذلك بيوم واحد، جددت أنقرة أيضاً حملتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني (PKK)، لاسيما عن طريق قصف قواعد المتمردين عبر الحدود في جبال شمال العراق. وكانت تركيا قد خاضت حرباً أهلية دموية لمدة 30 عاماً ضد الانفصاليين من حزب العمال الكردستاني حتى توصل الطرفان إلى وقف إطلاق نار تاريخي في عام 2013.

وتعتبر الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، لكن المنظمة الكردية الشقيقة في سوريا هي حليف رئيسي للولايات المتحدة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية. وقد حذر الرئيس الأمريكي باراك أوباما تركيا من استخدام تنظيم الدولة الإسلامية كذريعة لقصف المتمردين الأكراد، ولكن قيادة حزب العمال الكردستاني تقول أن هذا هو بالضبط ما تفعله تركيا.

هل تتجمع الأدلة؟ شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) حللت الأرقام.

الضربات الجوية

منذ الأيام الأولى (عندما شنت ثلاث غارات جوية)، لم تشن تركيا أي هجمات أخرى ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ولكنها شنت عشرات الغارات على العراق وأقصى شرق تركيا. ولم تفصح الحكومة التركية عن أرقام أو مواقع دقيقة، ولكن متين غوركان، وهو جندي سابق في القوات الخاصة التركية ويعمل الآن كمحلل يتتبع الأزمة، يؤكد تنفيذ خمس موجات من الهجمات ضد حزب العمال الكردستاني. وبحسب تقديراته، بلغ مجموع الهجمات حوالي 300 ضربة - بما في ذلك عدد كبير من حالات القصف بمدافع الهاوتزر ذاتية الحركة من مواقع بالقرب من الحدود التركية العراقية.

وبالمثل، فإن عدد المقاتلين الذين قُتلوا في الحالتين لا يُقارن تقريباً - تسعة مسلحين فقط من تنظيم الدولة الإسلامية، مقارنة بما يقرب من 400 مقاتل كردي.

كما أن موقعي الصراع ليسا قريبين من بعضهما على الإطلاق. كما توضح الخارطة أدناه، المناطق التي تم قصفها تبعد حوالي 600 كيلومتر عن بعضها البعض.

تظهر الخارطة مجرد جزء صغير من الهجمات لأن تركيا لا تنشر بيانات كاملة. يمكن التكبير والتصغير باستخدام زر التبديل في الجزء العلوي الأيسر وانقر على أي نقطة للكشف عن بيانات أكثر.

وبناءً على هذه الأدلة وحدها، يبدو أن تركيا تعطي الأولوية القصوى للحرب على حزب العمال الكردستاني وليس على تنظيم الدولة الإسلامية. وأشار غوركان إلى أن "الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني كانت أكثر شمولاً واستراتيجية. بينما تم شن ثلاث غارات فقط ضد تنظيم الدولة الإسلامية واستُخدمت فيها خمس ذخائر فقط".

مع ذلك، سمحت تركيا أيضاً للولايات المتحدة باستخدام قاعدة عسكرية رئيسية لاستهداف الإسلاميين ووعدت بتوسيع نطاق الهجوم الخاص بها. وقال مسؤول تركي تحدث مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) شريطة عدم الكشف عن هويته، وذلك تمشياً مع البروتوكول: "لدى تركيا كل الحق في القتال ضد جماعة معترف بها دولياً كتنظيم إرهابي وشنت مئات الهجمات في الأيام الأخيرة". وأضاف المسؤول أن الضربات الجوية ضد حزب العمال الكردستاني بدأت بعد أن اعلنت الجماعة مسؤليتها عن مقتل اثنين من ضباط الشرطة الأتراك في 22 يوليو. وادعى حزب العمال الكردستاني أن الضابطان كانا قد ساعدا انتحارياً من تنظيم الدولة الإسلامية في قتل 32 ناشطاً مؤيداً للأكراد في بلدة سوروك الحدودية في 20 يوليو. 

الاعتقالات

 قبل شهرين من بدء الحملة، أجرت تركيا انتخابات برلمانية غير حاسمة. وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد من الزمن (انظر الرسم البياني إلى اليمين)، فشل حزب حزب العدالة والتنمية (AKP) في الحصول على أغلبية، في حين حقق حزب الشعوب الديمقراطي ذو الأغلبية الكردية (HDP) مكاسب كبيرة. ولم تتمكن الأحزاب الأربعة في البرلمان من تشكيل ائتلاف، وبالتالي من المرجح إجراء انتخابات أخرى.

والجدير بالذكر أن منتقدي الرئيس رجب طيب أردوغان، أبرز زعماء حزب العدالة والتنمية، يتهمونه باستئناف الحرب ضد الأكراد من أجل تعزيز موقفه الانتخابي. وبحسب تقديرات حزب الشعوب الديمقراطي، تم اعتقال أكثر من 1,000 من أعضائه خلال حملة أردوغان القمعية التي بدأت منذ تفجير سوروك، الذي استهدف مؤيدي الحزب ولكن أُلقي معظم اللوم على تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال أغا سشكين، المحلل التركي في المؤسسة البحثية IHS أن أردوغان وحزب العدالة والتنمية يحاولان لعب لعبة مزدوجة للحفاظ على الدعم الدولي وتعزيز فرصهم في الانتخابات المبكرة المحتملة.

 "إن لديهم مصلحة في التهوين من الغارات الجوية على حزب العمال الكردستاني في أعين المجتمع الدولي، مع تسليط الضوء عليها أمام الناخبين القوميين الأتراك في الوطن،" كما أوضح.

 التهديد

 كان أوباما حريصاً في حديثه مع أنقرة على التأكيد على أنها لا يجب أن تنسى أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل أكبر تهديد للسلام العالمي، ولكن بالنسبة لأردوغان، هل يعتبر حزب العمال الكردستاني هو أكبر خطر يواجه سلامة ووحدة أراضي تركيا؟

 وعلى النقيض من تنظيم الدولة الإسلامية الذي نشأ حديثاً، يعتبر حزب العمال الكردستاني عدو تركيا اللدود، واستئناف الهجمات في الأونة الأخيرة يعيد إلى الأذهان مرارة الصراع المستمر منذ عقود، والذي أودى بحياة أكثر من 30,000 شخص منذ عام 1984. وبعد وقف إطلاق النار في عام 2013، كان هناك أمل في التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي في وقت سابق من هذا العام، ولكن هذا التفاؤل تبخر خلال الشهر الماضي عندما شن حزب العمال الكردستاني هجمات مميتة مرة أخرى، مستدعياً بذلك الرد التركي السريع والواسع النطاق.

ولذلك، يشعر كثيرون في تركيا بأن حزب العمال الكردستاني، وليس تنظيم الدولة الإسلامية، هو الذي يشكل التهديد الأكثر أهمية.

ولدعم رأيهم هذا، فإنهم قد يشيرون إلى عدد الهجمات التي تم تنفيذها منذ الأول من يونيو داخل الأراضي التركية. فقد نفذ حزب العمال الكردستاني عشرات العمليات في الجنوب، وكان آخرها في اسطنبول، أكبر مدينة تركية. في المقابل، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية ثلاث هجمات فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد الوفيات الناجمة عن هجمات المجموعتين متشابه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مقتل 32 مدنياً في هجوم سوروك، ولكن الأهداف المختارة كانت مختلفة إلى حد كبير. ففي حين اختار حزب العمال الكردستاني أهدافاً تابعة للدولة إلى حد كبير - الجيش والشرطة - هاجم تنظيم الدولة الإسلامية المدنيين (انظر الرسم البياني أدناه إلى اليسار).

 الخلاصة

 لدى أولئك الذين يدعون أن تركيا أكثر تركيزاً على محاربة حزب العمال الكردستاني من تنظيم الدولة الإسلامية بالتأكيد الكثير من الأدلة - من التفاوت الكبير في الغارات الجوية إلى عدد الاعتقالات.

 ومع اقتراب الانتخابات، فإن الحسابات السياسية تلعب دوراً بالتأكيد، ولكن بينما قد ترى الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى أن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل الهديد الأكثر إلحاحاً بالنسبة لتركيا، يبدو أن للزعماء الأتراك في أنقرة رأي آخر.